غزة أونلاين – غزة
بقلم : نسمة حمتو
بجسدها النحيل وعينيها الصغيرتين كانت تحاول جمع أكبر عدد ممكن من قطع البلاستيك، وتضعها في منزلها ليبيعها أطفالها، ولم تكترث قط لحديث كل من حولها؛ فهي فقدت معنى الحياة منذ قررت الارتباط برجل لم يعطها حقًّا من حقوقها يومًا، عاشت معه طيلة 15 عامًا لكن أحلامها دفنت معها، وزاد حياتها وجعًا أبناؤها السبعة.
أقل الأشياء
قبل خمس سنوات وجدت (ك. ن) نفسها أمًّا وأبًا لسبعة أبناء، أكبرهم لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره بعد، ولكنها قررت أن تقاوم الحياة بكل جبروتها فعاشت بأقل الأشياء.
وتزوجت الامرأة الأربعينية قبل 20 عامًا من رجل مُطلق على أمل أن تعيش كغيرها من الفتيات، لكنه لم يكن يأتي المنزل إلا أيامًا معدودة، وقبل 5 سنوات قرر الرحيل عنها وسافر إلى حيث مسقط رأسه، وترك في ذمتها 7 أطفال أصغرهم لم يتجاوز الثامنة من عمره بعد.
تقول (ك. ن) عن معاناتها لـ”فلسطين”: “منذ أن هجرني زوجي أعاني الأمرين، لا أحد يعيننا سوى مساعدة الشئون الاجتماعية التي نحصل عليها كل أربعة أشهر، يضطر أبنائي دائمًا إلى استئجار عربة صغيرة يجمعون عليها قطع البلاستيك والزجاجات الفارغة ويبيعونها بالكيلو جرام”.
وتضيف الأم التي كانت ترتدي عباءة قديمة مهترئة: “أما مهمة أبنائي الصغار فهي جمع الخضراوات من تحت العربات في السوق لتكون طعامنا، لقد سئمت جمع أبنائي للقمامة وبيعها، وإن جميع ملابسنا من القمامة”.
وتتابع حديثها وهي تبكي حال صغارها: “ربما لا يصدقني بعضٌّ، إذا قلت إنني أطلب من أبنائي أحيانًا جمع الطعام من القمامة، نعم، نأكل ما هو موجود في القمامة كي لا نشعر بالجوع، لا أحد يرانا، لا شيء يمكن قوله أكبر من هذا”.
وتمضي بالقول: “حتى مياه الصرف الصحي تدخل إلى منزلنا، فهذه الرائحة تقتلنا يوميًّا، وأخاف أن يصاب أحد أبنائي بالمرض منها، وإنني أعاني الآن من الربو وضيق النفس بسبب هذه الروائح، وبسبب هذه الظروف بعد أن كان وزني 99 كيلو جرام اليوم وزني لا يتجاوز أربعين كيلو جرام فقط”.
أما ابنها الذي عاد لتوه من جمع قطع البلاستيك، وفي يده كيس صغير جمع فيه بقايا الطعام من أصدقائه فيقول: “لاشك أنه لن يصدق أحد أننا نجمع بواقي الطعام من الناس كي نأكلها، لكن هذا صحيح؛ ففي هذا الكيس لا يوجد إلا بقايا صحن فول وقطع خبز فينو زادت من أصدقائي، جمعتها وحملتها لإخوتي”.
بلا مدرسة
وتكمل والدته حديثها بعد أن جمعت ملابس صغارها التي حصلت عليها من القمامة: “حتى الملابس لا نحصل عليها بسهولة، ما يرمى من حذاء أو بنطال أو قميص أغسله ليرتديه أبنائي، والعباءة التي أرتديها لا يوجد لدي غيرها، حتى الكراسي وكل شيء في منزلنا جمعناه من القمامة، هل يوجد أحد يعيش في هذه المأساة مثلنا؟!”.
وتزيد: “أغلب أبنائي لا يذهبون إلى المدارس لكثرة المتطلبات المدرسية، وحتى لا يهزأ بهم أصدقاؤهم أو يعيرهم أحد بملابسهم، أحيانًا أطهو الخبز مع الطماطم، وأحيانًا أضع النشا في إناء مع الماء وأحركه ويشربه أبنائي كي يسدوا جوعهم، صحيح أنني في بيت ملك، لكن الله وحده من يعلم معاناتنا في هذا البيت”.
وتتابع الأم حديثها والبكاء يخنق صوتها: “عندما أطلب مساعدة من الجمعيات الخيرية يقولون لي: “أنتِ غير مطلقة ولا أرملة فكيف نقدم لك المساعدة؟!”، مع أنه يوجد لدي شهادة تثبت أن زوجي هجرني، ولكن هذه الورقة لا تأخذ بها الجمعيات، نحن نأكل من القمامة، ألا تكفي هذه الشهادة؟!”.
وتستدرك بالقول: “في رمضان كنت أفطر مع أبنائي على علبة فول واحدة فقط، من حولنا من أقارب زوجي لا أحد منهم ينظر إلى وضعي أو يقدم لي مساعدة، ما ذنب أطفالي ليعيشوا في هذا الوضع الصعب؟!”.
وسط هذه المأساة والمعاناة غير المنتهية كل ما تتمناه هذه الأم راحة بال لها ولصغارها كي يتناولوا طعامًا نظيفًا، بعيدًا عن رائحة القمامة التي أمرضت بطونهم، فهل يجدون ذلك؟
المصدر : وكالة فلسطين أون لاين
Discussion about this post