غزة أونلاين – غزة
مدينتا غزّة وخانيونس، قطاع غزة — يحلم الروائيّ الشابّ هاني السالمي، البالغ من العمر 36 عاما، في اليوم الذي يتوقّف فيه عن عمله كبائع للعطور في أحد المحال وسط مدينة
خانيونس جنوب قطاع غزّة، بأن يتفرّغ إلى رواياته التي يحبّ، وقد وصل رصيده فيها حتّى اليوم إلى ثماني، تمكّن من نشر ستة منها.
السالمي الذي يتقاضى من عمله في بيع العطور مبلغاً لا يتجاوز 600 شيقل شهريّاً (حوالى 155 دولاراً)، طبع قبل أيّام روايته السادسة باسم “هذا الرصاص أحبّه” عن مؤسّسة عبد المحسن القطان في غزّة المتخصّصة في خدمة الثقافة والتربية في فلسطين والعالم العربي والتي تكفّلت بتمويل طباعتها، بعد فوزه في جائزة أفضل رواية في عام 2012.
ووصف السالمي المشهد الأدبيّ في قطاع غزّة بأنّه وصل إلى حدّ الانقراض بنوعيّة الرواية والقصّة، مشيراً إلى أنّه يعاني كثيراً من الإهمال الحكومي والأهلي، على الرغم من وجود كتّاب يحملون أفكاراً تصل إلى العالميّة، ممّا دعا أغلبيّتهم إلى الاتّجاه نحو كتابة الشعر لأنّه الأسهل في نظرهم والأسرع في الوصول إلى الجمهور، فيما عزف أغلبيّتهم عن كتابة القصّة القصيرة لأنّها تحتاج إلى جهد كبير منهم.
وأضاف: “هناك عوامل لعبت دوراً مهمّاً في هذا التراجع الكبير، حيث أنّه لا يوجد متخصّصون في مجال طباعة الرواية، والانقسام الأدبيّ الحزبيّ يؤثّر جدّاً في حركة الطباعة، حيث أنّ كلّ حزب سياسيّ يهتمّ فقط بجمهوره، إضافة إلى أنّ سوء الوضع الاقتصاديّ جعل أغلبيّة الكتّاب يعانون من مشاكل تكاليف الطباعة، إضافة إلى المشكلة الكبرى المتمثّلة في تحكّم بعض المؤسّسات غير الحكوميّة في الطباعة، والتأثير في اختيار أفكار الروايات للكتّاب الذين يتمّ اختيارهم لطباعة رواياتهم”.
من جانبه، يرى الكاتب والأديب يسرى الغول أنّ الثقافة أصبحت بالنسبة إلى الغزّيين من الكماليّات، مبيّناً أنّ الطباعة والنشر تمرّان في أزمة حقيقيّة، خصوصاً في ظلّ عدم وجود مكتبة وطنيّة في غزّة بعد قصفها في الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة التي وقعت في العام 2012..
وقال الغول إنّ “نشر الروايات متوافر على نطاق ضيّق في القطاع، لكن على نفقة الكاتب نفسه، مضيفاً: “اتّحاد الكتّاب مغيّب، ووزارة الثقافة منقسمة إلى اثنتين، إحداهما في غزّة وأخرى في الضفّة الغربيّة، وتمويلها ضعيف، ولا يوجد من يتبنّى هؤلاء الكتّاب والأدباء، لذا يلجأون إلى الانعزال”.
وتابع: “يعجّ قطاع غزّة بالكثير من الروائيّين الشبّان المبدعين من الجنسين، ويشاركون في المسابقات العربيّة، لكن تبقى تلك الأعمال طيّ الدفاتر وتبقى على الرفوف حتّى تتطوّع دور النشر لطباعتها”.
وأشار الغول إلى أنّه إذا لم تتوافر أيّ جهّة مانحة لطباعة الكتب والروايات، فإنّ فلسطين ستبقى بلا كتب، مبيّناً أنّ هذا الأمر يبرّر اتّجاه بعض الشباب الروائيّين نحو المؤسّسات الدوليّة لطلب الدعم منها لنشر رواياتهم، موضحاً: “هذه سلبيّة نعاني منها، والإشكاليّة هنا أنّ أيّ فعاليّة تقيمها فلسطين لها أجندات تتبع المموّل، وبناء على شروط لا تتّفق مع عادات المجتمع وتقاليده، وحينما تكون مرهوناً، تكون قد أوجدت خطّاً أحمر وحدوداً جديدة، وهي حدود المموّل، وهو يتحكّم في طريقتنا في الكتابة واختياره العمل الفنّي”.
وأصبح بعض الكتاب الفلسطينيّين فريسة استغلال دور النشر العربيّة والدوليّة، إذ تتعرّض رواياتهم إلى القرصنة من قبل تلك الدور التي تسرقها أو تستغلّها في نسخ فنيّة أخرى، كالمسلسلات والأفلام من دون حفظ حقوق مؤلّفيها. وبيّن الغول أنّه وقع ضحيّة، حينما اقتبست إحدى شركات الإنتاج اسم روايته من دون علمه أو الرجوع إليه، فيما أنه لا يعرف أن هذا الأمر توارد خواطر أم سرقة، قائلاً: “حينما تحدّثت مع صاحب دار النشر، قال لي إنه لا توجد حقوق ملكيّة، لذلك فإنّ بعض الكتّاب تُسرق أعمالهم، ولا أحد منهم يستطيع أن يقاضي المخرجين لأنّه لا يوجد في فلسطين رقم إيداع يحفظ لهم كتبهم من السرقة أو الاقتباس، وربّما يرسل الكاتب من غزّة عمله إلى دار نشر عربيّة، وتنسبه إلى شخص آخر”.
وشكّل غياب دور النشر في القطاع عاملاً أساسيّاً في تراجع حركة نشر الروايات، حيث أشار رئيس اتّحاد الكتّاب الفلسطينيّين المغيّب دوره في قطاع غزّة غريب عسقلاني إلى أنّه لا توجد دور نشر متخصّصة في الشكل المتعارف عليه في غزّة، إضافة إلى عدم وجود سوق فاعلة للكتاب.
وأوضح “تضاف إلى ذلك حالة الحصار المفروض على القطاع، وتعثّر الوضع الاقتصاديّ، والحالة الاستثنائيّة التي تمرّ بها الحياة. كلّ ذلك يحول دون اعتماد الكتاب كسلعة متقدّمة لدى المستهلك، لأنّ صناعة الكتاب تتطوّر بتطوّر الحياة والتكنولوجيا، وهذا يعتمد على مؤسّسات فاعلة تعمل في سوق مفتوحة”.
وقال عسقلاني إنّه، ومن دون جهّات داعمة، لا يمكن للروائيّين نشر رواياتهم إلّا في حالات نادرة، وتعتبر مغامرة منهم، قائلاً: “إنّ الحال صعب، لا يستطيع الكتّاب والمبدعون تحمّل التكاليف في ظلّ غياب الجهّات الداعمة، ومن بينها الرسميّة كالسلطة الفلسطينيّة والحكومة في غزّة، ويقوم بذلك بعض مؤسّسات المجتمع المدنيّ العاملة في إطار الثقافة، والتي تعتمد على التمويل الموجّه، وهو تمويل مشروط وله رؤية تحدّ من حريّة التعبير والتوزيع، وكأنّ الأمر يكون تداول الكتاب بحيّز صغير لقرّاء معيّنين. وهذا لا يخلق حالة تسبّب التفاعل، لذا يلجأ الكثيرون من الكتّاب إلى نشر كتبهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعيّ، مثلي ومثل الكاتبين محمد نصّار ومحمد أيوب”.
غياب دور النشر والإهمال الحكوميّ في قطاع غزّة، أدّيا إلى تدهور المشهد الأدبيّ، حتّى وصل الأمر إلى تحكّم المموّل في أفكار المبدعين وتوجيه الحركة الأدبيّة كيفما شاء.
تقرير :محمد عثمان
المصدر :المونيتور
Discussion about this post