يستعد طلبة الثانوية العامة في قطاع غزة لخوض الامتحانات النهائية مطلع الأسبوع القادم، في وقت عانوا وما زالوا من تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء والتي وصلت إلى أقل من أربع ساعات يوميًا، ما زاد الإرهاق عليهم خاصة مع عدم وجود بدائل إنارة مناسبة تمكّنهم من قضاء أوقات أطول في الدراسة.
وتحاول الطالبة هديل الشنطي جاهدة استثمار الساعات الأربع من أجل إنجاز أكبر قدر ممكن من المنهاج، ولكن دون جدوى؛ فـ”اللدات” لا تعطي إنارة قوية، أما الساعات الأربع فأحيانًا لا تكون في أوقات تناسبها، متسائلة :”ماذا أفعل بكهرباء تأتي الساعة 6 صباحًا حتى العاشرة، أو الساعة 11 ليلًا حتى الثالثة”.
تسكن الطالبة هديل في بيت عائلة مشترك في منطقة السامر وسط مدينة غزة، حيث الكثافة السكانية العالية، تجلس على مقربة من شباك يطل على الشارع في الطابق الثالث لبيتهم محاولة الاستفادة من الإنارة الطبيعية للشمس، رغم أن هذا يقيد حركتها وهي التي تحتاج لحرية الحركة أثناء الدراسة، هديل ليست الطالبة الأولى التي تخوض تجربة التوجيهي في عائلتها فقد سبقتها أخواتها الثلاثة، ولكن ربما كانت ظروفها الأصعب.
تقول هديل – وهي طالبة في القسم الأدبي-:”أحاول قدر المستطاع الاستفادة من اللدات، ولكن بتنا نعرف أن لها أضرار فهي ذات إنارة ضعيفة، حتى صديقاتي يشتكين منها، وتسببت في ضعف النظر لدى بعضهن، ولكن هذا هو البديل المتوفر، البدائل الأخرى مثل المواتير ليست متوفرة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات”.
ويعاني قطاع غزة من أزمة خانقة في جدول الكهرباء الذي انخفض إلى أربع ساعات مقابل 12 ساعة يوميًا منذ إبريل الماضي، بعد أن كان الجدول الذي تأقلم عليه قطاع غزة لسنوات هو 8 ساعات وصل مقابل 8 ساعات قطع، وسط تبادل اتهامات بين سلطتي الطاقة في غزة ورام الله بالمسؤولية عن الأزمة دون محاولة لإيجاد حلول حقيقية للمشكلة.
عودة إلى هديل التي تؤكد أن أزمة الكهرباء ليست وحدها ما يؤرّق الطلبة، فثمة جرائم ارتكبت مؤخرًا في قطاع غزة، راح ضحيتها نساء داخل بيوتهن ارتكب بعضها بدافع السرقة، وهو ما يجعل الأمر غير آمن، فهي تؤكد أنها لا تستطيع البقاء في البيت وحدها نتيجة هذه الأخبار.
أما الطالبة ليلى خاطر من خانيونس، فلا تختلف في الرأي عن هديل، إذ تؤكد أن جدول 8 ساعات كان أفضل رغم أنه لم يكن الأمثل، إلا أن كثرة اعتماد الطلبة على إنارة البطاريات أثّرت فعلًا على نظرهم، لكن حرصًا على مستقبلها فهي لا تملك إلا أن تواصل الدراسة مهما كان الوضع سيئًا.
إلا أن هديل التي لم تحدد بعد ما ترغب دراسته في الجامعة تؤكد أن مثل هذه الظروف ربما تشّكل حافزًا ودافعًا للطلبة لتحدّي كل هذه المعوقات، فحسب رأيها:”نحن جيل شاهدنا الحرب ونحن صغار جدًا، تأثّرت طفولتنا سلبًا، الدراسة هي الشيء الوحيد الذي نرد فيها على كل ما يحدث لنا، علينا أن نثق بأنفسنا أكثر”.
ورغم ذلك فإن أكبر أمنيات ليلى الآن ألا يخوض طلبة التوجيهي في السنوات المقبلة الامتحانات تحت وطأة الظروف الحالية، فهي جربت صعوبة الدراسة في ظل هكذا أوضاع ولا تتمناها لأي طلبة غيرها، أما على مستواها الشخصي فهي تريد أن تخوض التحدّي وتحصل على معدل مرتفع يرفع رأس والديها الذين أرّقتهم أزمة الكهرباء خاصة تعاطفًا معها.
ولا تختلف عنها الطالبة براء رائد التي تؤكد أن هذه الأزمة وباقي أزمات قطاع غزة كانقطاع الرواتب والفقر والحالة السيئة انعكست على كل الطلاب وليس فقط الثانوية العامة، فالجميع خاض الامتحانات النهائية تحت نفس الظروف من دراسة على ضوء “اللدات” وحالة نفسية سيئة.
لكن براء تكمل أن خصوصية التوجيهي تكمن في أنها سنة تحدد مصير الطالب ومستقبله لهذا هم الأكثر تضررًا، وتابعت:”يضيع منا الوقت لأن وقت انقطاع الكهرباء نضطر لتأجيل الدراسة وهذا يسبب إرباك وإحباط للطلبة وأنا منهم بالطبع، ويزيد حالة الاضطراب والخوف الذي نشعر به أصلًا، لأننا نشعر أننا لم نحصل على حقنا بالوقت الكافي للدراسة”.
وتضيف براء أن حالة من الوساوس والشكوك تسيطر على الطالب في هذه الحالة خاصة وأن البدائل لم تعد كافية ولا مناسبة، فحتى اللدات تحتاج إلى كهرباء من أجل شحنها، وأربع ساعات غير كافية للشحن الجيد.
وتكمل:”معظم طلبة التوجيهي يفضلون الدراسة في الليل بسبب الهدوء لذا يحتاجوا للإضاءة العادية، الكثير من الطلبة اضطروا للنظارات الطبية بعد أن تأثرت عيونهم بسبب ضعف الإنارة، كما أن استمرار التلويح بأن غزة على مشارف حرب ينعكس سلبًا على معنويات الطلبة فهذا جو غير طبيعي من الصعب التركيز في الدراسة”.
وتتمنى براء لطلبة الثانوية العامة في السنوات المقبلة واقع أفضل وأن تتحسن ظروف الفقر وأزمة الرواتب والكهرباء والمياه وكل الأزمات التي نعانيها وتؤثر على الطلبة، داعية الجميع إلى الوعي بأهمية أن يكونوا جيلًا مثقفًا وألا تؤدي هذه الإحباطات إلى التراجع.
المصدر/نوى
Discussion about this post