بيئة العنف لن تُنبت زهراً
كتبت / نور السويركي
قبل أيام وضعت إحدى صديقاتي صورة على حسابها على فيسبوك، صورة لجزء من ايميل رسمي من جهة ما يبلغونها باختيارها للمشاركة في حدث ما، والذي من المتوقع حدوثه بعد عيد الفطر، كتبت: ” في كل مرة أحصل بها على رد إيجابي حول فرصة تدريبية أو لقاءات اتقدم بها للخارج اتساءل: وين كان عقلي وأنا املأ الطلب بشغف؟“، عادة نكتب هذه المرثيات بعد كل فقد، والمقصود هنا فقد الفرص وليس الأشخاص، هذه الحسرة التي تلوك قلوب آلاف الشباب المرهونين في هذه البقعة الجغرافية الضيقة، تدفعنا لمشاركتها مع الناس ليلهمونا الصبر أو الصمود الاجباري، ففي كل مرة نُفاجئ بأن هذا الشعور يزداد سوءً ولا يمكن اعتياده.
هذا الإغلاق الكامل لمنافذ السجن الكبير (قطاع غزة)،منذ ما يقارب الأحد عشر عاماً، ليس مجرد انتهاك لحقوق كثيرة مكفولة لنا كبشر، بل هو اضفاء لمزيد من البؤس على عمق الحياة بكافة تفاصيلها هنا، إنه حرمان كامل من مُدخلات ثقافية جديدة قد تحدث تطوراً على صعيد الفرد والمجتمع، هذا الحرمان يعمل على إعادة تدوير ذات الثقافة المحلية القاصرة، والظالمة، القائمة على القبلية والعنف، لترّشح أجيال جديدة تتبنى ذات المفاهيم، فلا مجال أمامها لمصادر أخرى للثقافات، هم يتوراثون فقط، لا يشاركون في إعادة تقييم وتعديل كل تلك القيم.
هذه البيئة المغلقة أوجدت مرتعاً خصباً لكل الآفات الأخلاقية، أصبح الناس حكام بعضهم، يقيمون ممارسات بعضهم، فلا ينظر الجمل إلى اعوجاج رقبته هنا، ولكنه ينظر إلى اعوجاج رقاب البقية، مما يدفع للنفاق والرضوخ للتيار المجتمعي في إطار تحقيق رضى المجتمع ، وفي حال التحرر من سطوته تظهر الشخصية الحقيقة المتعطشة للحرية، والتي يُعاد محاكمتها محلياً بأقبح الأوصاف، والتساؤل لماذا تغيرّ؟ الإجابة: هذا المجتمع المُعنِف يُرهبنا.
السنوات العجاف الماضية خلقت افتقاراً ثقافياً ليس من السهل اغناءه، أعادت تصدير مفاهيم العنف كحلٍ لكل أمور حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، الحلول السياسية التي يتم اقتراحها ليمارسها الأفراد هنا دائما تدفع باتجاه الموت، القضايا الاجتماعية دائما تُحل بالطوشة، أو بالقتل، وليس بآخرها حوادث القتل وإطلاق النار المتتالية التي حدثت خلال الأيام الماضية، وحتى دوائر الحماية الرسمية والمجتمعية لم يعد لها قيمتها، فقد أصبح الناس يفكرون بأنهم قبائل وعائلات فوق القانون، عمليات النصب والاحتيال والسرقات لازالت قائمة وربما تزايدت، أما الفكر المُختلف فقد بات يُحارب بالتهديد والترهيب ولا مجال للنقاش، بينما النساء والأطفال فحدث ولا حرج عن حجم العنف الموجه لهم، كل هذه البيئة من العنف لن تنبت زهراً، بل شوكاً يدمي أقدامنا ويطيل المسافة في الوصول إلى المجتمع المدني، الواعي، المتنوع، المستنير.
Discussion about this post