غزة اونلاين_ بقلم فلسطين عبد الكريم
يوما بعد آخر تتصاعد ظاهرة الزيارات العائلية والروابط الاجتماعية بين أبناء الشعب الفلسطيني في مدينة غزة، بالرغم من الظروف العصيبة التي تمر بها تلك البقعة الصغيرة المحاصرة من كل حدب وصوب.
وتسعى كل عائلة إلى أن توجد لكل منها رابطة تتحدث باسمها أو تقوم بتمثيلها في المناسبات الحزينة والسعيدة، وفي كل الظروف وهو ما يزيد من أواصر العلاقات بين أبناء العائلة أو ما يسمى بـ “الحمولة”.
عائلة مشتهى بغزة هي نموذج يحتذى به في كيفية الترابط العائلي والارتقاء بعوائلها من خلال الزيارات والعلاقات الاجتماعية بين أبنائها، والتلاحم الكبير بين أفراد الأسرة الواحدة، فتجدهم يتواجدون فور حدوث أي قضية أو مشكلة، وتجدهم في مقدمة زيارات المرضى وفي الأحزان والأفراح أيضا.
“إخوة وليس أبناء عم”
يقول محمد مشتهى وهو صاحب مبادرة لإنشاء رابطة للعائلة،:” بدأت هذه المبادرة عندما علمنا بمرض أحد رجال العائلة، فتم تشكيل عدد من شباب العائلة ليتم زيارته والاطمئنان عليه، فكان العدد آنذاك ثمانية أفراد وكانت الزيارة ناجحة جدا، وكان شعار هذه الزيارة ” كلنا اخوة وليس أبناء عم”.
ويؤكد محمد سعادته عندما نجحت الزيارة وأحببنا أن نقوم بعدد من الزيارات الأخرى من رجالات العائلة، ومع كل زيارة نجد تقدم وتطور في عدد الشباب المشاركين حتى وصل العدد الى 60 مشاركا، معربا عن أمله في أن يستمر العطاء وأن تستمر المحبة بين أبناء العائلة وأن يعيدوا ذكريات آبائهم وأجدادهم .
ووفق ما ذكره فإن تطورت الزيارات العائلية شملت أسر الشهداء والجرحى، وتقديم واجب العزاء أيضا وزيارة المستشفيات مثل الشفاء والدرة للأطفال، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي للمرضى وذويهم.
سياج عائلي
ويقول المعلم مؤمن مشتهى:” إن الترابط الأسري والعائلي من باب ضرورته كعنصر من عناصر الصلاح الاجتماعي عبر صلاح الأسرة ونجاحها في إقامة سياج عائلي يحمي الأفراد كبارا وصغارا في حوزته”، موضحا أنه بجهود العديد من الشخصيات والشباب، قامت مجموعة كبيرة من أبناء عائلته بإطلاق حملة عائلية تم تسميتها ” كلنا إخوة وليس أبناء عم”.
وتهدف الحملة إلى نشر المحبة والألفة والتعارف بين أبناء العائلة، ونشر فكرة الوحدة والإخوة والمحبة بينهم، والاستفادة من خبرات الكبار والاستماع لإرشاداتهم ونصائحهم من أجل رفعة شأن العائلة.
ويشعر مؤمن بالفخر بالعائلة الغراء التي ينتمي إليها، والتي خرجت الكثير من الشهداء والعلماء والقادة، مؤكدا أن الحملة تهدف أيضا لزيارة العديد من أبناء العائلة شيوخا وكبارا وصغارا وشبابا بجميع المناسبات، منها ما هو سعيد أو حزين.
ووفق ما ذكره فإن رابطة عائلة مشتهى تقوم بعقد رحلات ترفيهية ومسابقات ثقافية وغيرها من الفعاليات والأنشطة التي تكون نابعة من أفكار وتنفيذ أبناء العائلة، كما وتتعدى الزيارات لتشارك المجتمع المحلي مثل زيارة المؤسسات والمرافق العامة المحلية، مثل المستشفيات وزيارة المرضى داخلها، وتقديم الهدايا المتواضعة لهم، وتعميم مثل هذه الافكار لتصل الجميع .
كما تقدم رابطة شباب العائلة، الدعم النفسي والمعنوي، فمثل هذه الأفكار والحملات من شأنها تقوية الترابط الاسري وتنشيط الآراء والاقتراحات عند العديد من أبناء العائلة واستثمارها وتفعيلها بشكل ايجابي من أجل خدمة العائلة ونشر المحبة في قلوب أفرادها، ومواجهة أي عائق أو مشكلة، ومواجهتها من خلال هذا الترابط والتغلب عليها بسهولة ويسر.
من جهته يقول الحاج أبو أشرف مشتهى وهو أحد كبار العائلة، تعقيبا على تنفيذ حملة “كلنا إخوة وليس أبناء عم ” بأنه يشجع على تنفيذ مثل هذه الأفكار، داعيا بالتوفيق والنجاح لهم .
ويؤكد في حديث للرأي، أن مثل هذه العادات الايجابية هي نابعة في الأصل من ديننا الاسلامي الحنيف وسنة نبينا، كما ودعا الى تفعيل مثل هذه الحملات على باقي العائلات الفلسطينية لما لها من أثر ودور كبير في ترسيخ وتقوية العلاقات الاجتماعية وبناءها على أسس متينة، كما تتيح مجالا للتعارف والمحبة بين أفراد العائلة ومشاركة الناس في أفراحهم وأحزانهم.
نشاطات واضحة
الشاب حسام جحجوح هو الآخر كان أحد الداعمين لفكرة إقامة رابطة لعائلته، باعتبار أن الكبار في العائلة لا يوجد لهم أي نشاط في أي مناسبة سوى زيارات فردية، كما أنهم لا يستطيعون مواكبة طموح الشباب في الكثير من الفعاليات نظرا للصحة العامة، أو انشغالهم أو النمط السلوكي القديم الذي اعتادوا عليه في زمن تغير كثيرا بتطور أدواته ووسائله.
يقول جحجوح :” إن ذلك كان له انعكاس واضح على جيل الشباب في النشاطات والفعاليات التي تخص العائلة، وخاصة أن عدد كبير منهم لا يعرف بعضهم بعضا اذا تحدثنا عن المحافظات، فابن غزة لا يعرف ابن الوسطى وكذلك الجنوب”.
وكان حسام قد بادر مع أحد شباب العائلة النشيطين بزيارات فردية لكل عائلة لطرح الفكرة، حيث لاقت قبولا كبيرا من الجميع، ثم أعلن عن اجتماع لجميع شباب العائلة وتم طرح تشكيل مجلس شباب واستدعاء كبار العائلة لاختيار مختار، حيث لم يكن لديهم مختار معتمد من الجميع ويحمل ختم المخترة، ومن ثم قاموا بتحديد الأنشطة الواجب القيام بها وترتيب لوائح داخلية للسير عليها حتى تكون النشاطات واضحة وليست عشوائية.
ومن أبرز نشاطات العائلة، زيارات بالتنسيق مع كبارها لمن يحدث عنده مناسبة في العائلة ومؤازرة العائلات الأخرى في الأفراح والعزاء من خلال زيارات باسم العائلة للشباب والكبار، مع طباعة بوسترات بكل مناسبة على حدة لاستخدامها.
تعزيز التكافل الاجتماعي
بدوره يقول الأخصائي الاجتماعي زهير ملاخة:” إن أمام انتشار مثل هذه الاشكال التفاعلية في المجتمع وظهورها بشكل ملفت للانتباه يعود لعدة أسباب، منها الاهتمام المجتمعي وتشجيع الأنظمة القائمة على ذلك من خلال تشكيل مجالس للعائلات وللعشائر، فهذا شجع كثير من العائلات لجمع شمل العائلة وتوحيد أطرافها عن طريق الزيارات، ووحدة الكلمة والتواجد في المناسبات وتشكيل التكافل الاجتماعي للعائلة”.
ويؤكد ملاخة في حديثه، أن هذا يحمل كثير من الايجابيات منها تعزيز مفاهيم التكافل وإعانة المحتاج داخل العائلة، ونشر المحبة والود والتناصح الدائم، وأن وجود مرجعية عائلية عند أفرادها يدفعهم للتفكير والمشورة قبل الاقدام على اي أمر أو تصرف.
ويضيف:” هذا الامر يلقي بظلاله على التفاعل المجتمعي بين العائلات، فالمجاملات والزيارات والتقارب يكون حاضر باسم العوائل، كما أن الاهتمام بتجمع العائلة يوجد التنافس الايجابي بين عناصرها وأفرادها في العلم وطلبه، والعمل والاجتهاد بهذه الامور وغيرها”.
ولا تزال الكثير من العائلات تحذو نفس الحذو من خلال تشكيل خلايا شبابية فيما بينها من أجل تأكيد لحمة وترابط أبناءها، وهو ما له دور كبير في ترسيخ وتقوية العلاقات الاجتماعية وبناءها على أسس متينة، كما تتيح مجالا للتعارف والمحبة بين أفرادها.
المصدر:الرأي
Discussion about this post