رسم الأحلام – حصص الفنون للطلبة اللاجئين في غزة
غزة أونلاين – غزة – الانروا
عند الساعة العاشرة صباحاً في إحدى مدارس الأونروا في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة، تجلس نحو 25 طالبة حول طاولات خشبية كبيرة مغطاة بأوراق حريرية وردية، وبنفسجية، وزرقاء، مع ألوان مائية وفراشٍ طويلة ورفيعة. وتتناثر بقع ألوان خضراء وبرتقالية وزرقاء على الزي المدرسي المخطط بالأزرق والأبيض لبعض الطالبات؛ الأجواء مريحة، والأطفال يبتسمون.
حصص الفنون في مدارس الأونروا هي جزء من جهود الوكالة للتخفيف من الآثار النفسية والإجتماعية للصراع المسلح على جمهور الطلبة من اللاجئين الفلسطينيين في غزة، وتمولها مشكورة مؤسسة دبي العطاء ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار مشروع “دعم حرية التعلم وتخفيف الآثار النفسية والإجتماعية للصراع المسلح علىجمهور الطلبة من اللاجئين الفلسطينيين” الذي تنفذه المؤسسة بقيمة 3 ملايين دولار أمريكي.
“رسومات اليوم تختلف كثيراً عن تلك التي رأيتها في بداية تعليمي لحصص الفنون هذه.” تقول مروة عامر العصار، معلمة الفنون في مدرسة الأونروا الإبتدائية المشتركة في منطقة الشجاعية، وهي منطقة كانت عرضة لقصف مكثف ودمار هائل خلال صراع الصيف الماضي. وتضيف مروة بفخر: “في البداية، كان الأطفال يرسمون الحرب، والمنازل المدمرة، وكانوا يستخدمون اللونين الأسود والأحمر القاني في كافة رسوماتهم. بمرور الوقت، بدأ الأطفال بالتغير، واليوم فإنهم غالباً ما يرسمون أحلامهم، وأمنياتهم المستقبلية لأنفسهم ولأسرهم.”
قد يكون رسم الأحلام أمراً عادياً للطلبة في العديد من البلدان الأخرى، ولكن أطفال المدارس في غزة شهدوا جميعهم الدمار، والنزوح والموت على مدار الأعوام السبع الماضية خلال صراعات مسلحة متكررة. هؤلاء الأطفال ولدوا ويعيشون في قطاعٍ مساحته 365 كيلومتر مربع فقط، معزولين عن بقية العالم ينهشهم الفقر ونسبة البطالة المرتفعة. لقد بدأ هذا المشروع الذي تموله مؤسسة دبي العطاء في شهر كانون الثاني/يناير من عام 2015 ويتضمن توظيف 364 معلم ومعلمة في مجالي الرياضة والفنون للعمل في 190 مدرسة من مدارس الأونروا بهدف تطوير آليات إيجابية للتكيف والمواجهة عبر الرياضة، الفنون، والدعم النفسي والإجتماعي المقدم لهؤلاء الأطفال. وسيستمر هذا المشروع حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016.
ويتفق المعلمون ومدراء المدارس والمرشدون المنخرطون في مشروع الفنون على التأثير الإيجابي الملموس لحصص الفنون على الأطفال، وخاصة على سلوكهم الإجتماعي.تقول معلمة الفنون، مروة العصار: “في بداية العام، رفض الطلبة العمل في مجموعات، وكانوا جميعاً منعزلين للغاية. كان يجب عليهم تعلم كيفية المشاركة، وكيفية العمل ضمن فريق والانفتاح على اقتراحات جديدة.” أما زميلتها مي مراد، والتي تعمل في مدرسة بنات أسماء الإبتدائية “ج” في مخيم الشاطئ، فتقول: “يوفر هذا المشروع المساحة لمعلمي الفنون غير التقليدية للإبداع ولمساعدة الأطفال على التغلب على مخاوفهم، وكوابيسهم، والضغط، والتجارب المؤلمة بطريقة هادئة وإيجابية. وبالنسبة لأطفال غزة، فهذا أمر ذو أهمية قصوى.”
“لقد دُمر منزلنا خلال الصراع الأخير وخسرنا كل شيء. لقد كانت أمي تبكي طوال الوقت، وشعرت أنا بحزن شديد.” تقول هبة أبو سرية، الطالبة في الصف الرابع من منطقة النزاز في شمال غزة والتي تضررت بشدة. تضيف هبة التي تحضر حصص الفنون في مدرسة الشجاعية الإبتدائية المشتركة قائلة: “ما تزال أمي حزينة طوال الوقت، ولكن الرسم يُشعرني بالسعادة. أحب أن أرسم الربيع والأشجار، والمنازل والأمور الزاهية.
في مدرسة الشجاعية الإبتدائية المشتركة، يحضر البنين والبنات حصص الفنون معاً. وبفضل المشروع الذي تموله مؤسسة دبي العطاء، يتلقى ما يزيد عن 175,000 طالب وطالبة حصصاً أسبوعية في الرياضة والفنون تتمحور حول موضوعات ومفاهيم تعزز جهود الإرشاد النفسي. “الفن كالسحر؛ يصبح الأطفال هادئين ومبتهجين عندما تتاح لهم الفرصة للإبداع وعندما تحيط بهم الألوان، وهم يشعرون بالفخر عند رؤية رسوماتهم معلقة على الجدران في ممرات المدرسة.” تقول معلمة الفنون مي مراد.
“كنت خائفة جداً خلال الصراع وبعده. صوت القصف كان دائماً يلازمني في ذهني؛ إنه صوت مؤلم جداً. حضوري حصص الفنون ساعدني على التركيز وعلى الشعور بالسلام. أحب رسم الوجوه السعيدة والمنازل الجميلة.” تقول ملاك مصلح، ذات التسعة أعوام من منطقة المنطار الواقعة في أقصى شرق مدينة غزة والتي تحضر حصص الفنون في مدرسة الشجاعية الإبتدائية المشتركة.
تقول مي مراد، والتي بدأت برسم وتلوين الزهور والغيوم على جدران وأبواب المدرسة التي تعمل بها في مخيم الشاطئ لإضفاء بعض الألوان على حياة الأطفال اللاجئين: “قبل أن نبدأ بهذه الحصص، كانت البيئة المدرسية باهتة، وواجه الطلبة صعوبات في التركيز والانتباه.” وأضافت: “في صفي، هناك طالبة واحدة كانت نادرة الابتسام؛ بدأتُ بإشراكها في أنشطة الرسم ومع مرور الوقت أصبحت شخصاً مختلفاً. اليوم، هي طالبة نشيطة ولديها أصدقاء، تحب المدرسة، والأهم من ذلك كله: أنها تبتسم.
Discussion about this post