غزة أونلاين – غزة- إبتسام مهدي
لم يستطع الصياد “محمود حسين” كتم فرحته بما صادته شباكه و هو ينثرها على شاطئ بحر غزة حيث بد يعد مجموع سمك الوطواط الذي اصطادته شباكه.
و يصطاد حسين هذه الأسماك بمساعدة أبنائه الستة و أبناء أخوته، حيث أن حجومها الكبيرة تحتاج لأكثر من شخص لسحبها و إيصالها للشاطئ، يقول:” رزقنا الله اليوم صيدا و فيرا و خاصة بعد أن تم منعنا من الإصطياد خلال الفترة الماضية، فهذه الأسماك تغزو الشاطئ، أي تكون قريبة منه فيسهل صيدها، كما أنها هادئة في تحركها و تطفو على سطح البحر، ويتم اصطيادها بسهوله دون أي عقبات”.
و يعد هذا الوقت من السنة موسما مناسبا لصيد هذا النوع من الأسماك” الوطاويط البحرية” التي تتمتع بطول أجنحة يصل إلى 180 ملم و يبلغ وزن الواحدة منها 8 إلى 15 كغم، و تعيش على عمق (متر واحد إلى200 متراً)، لذلك يسهل وفق الصياد حسين اصطيادها.
و عند سؤاله عن مدى معرفته بكون هذا النوع من الأسماك مهدد بالانقراض أجاب: “لا يهمني كثيرا ذلك، و لا يوجد لدي معرفة بالأمر، فهي كثيرة و متوافرة في البحر”. مؤكدا وجود أسماك أخرى تتكاثر غير تلك التي يتم إصطيادها.
و لفت في ذات الوقت إلى أن وضعه المادي صعب جدا، وكذلك الصيادون الذين يعانون من إنتهاكات يومية يتعرضون لها من قبل بحرية و زوارق الإحتلال التي تلاحقهم في عرض البحر، ما يمنعهم من جلب قوت أطفالهم بممارسة مهنتهم في صيد السمك، فيبحثون عن لقمة العيش على حساب إنقراض أو هلاك أي نوع من الأسماك.
و يسانده في الرأي الصياد أبو رزق بركة، مشيراً إلى أن وضع الصيادين الصعب يفرض عليهم إصطياد ما يسد جوع عائلاتهم دون البحث عن مدى تأثير إصطيادهم على الثروة السمكية، حيث تم مؤخرا اصطياد ما يقرب من الـ 300 سمكة من نوع الوطواط البحري ذات الأحجام الكبيرة، و ذلك في أول يوم سُمح لهم بالعودة و الإصطياد من قبل وزارة الداخلية.
و أكد بركة في ذات الوقت، إلى مشاركته في دورة نفذتها وزارة الزراعة حول مخاطر إصطياد سمكة الوطواط، و كيفية الحفاظ عليها من الانقراض، و لكنه يجد من الصعب الالتزام بما ذكِر بالدورة للأسباب السابقة.
و يذكر أن وزارة الداخلية في قطاع غزة حظرت دخول الصيادين إلى البحر أواخر آذار، في إطار الإجراءات الأمنية التي أعقبت عملية اغتيال الأسير المحرر في حركة حماس مازن فقها، وذلك في الـ 24 من آذار الماضي.
و قد ساعد اصطياد هذا النوع من الاسماك في إنعاش سوق الأسماك في غزة، وخاصة أن ثمنهُ يعدُّ زهيداً نسبيًا قياسًا بأسعار أنواع اللحوم البحرية الأخرى الطازجة، لذلك يتوافد المواطنون لشرائه وتناوله على موائدهم.
توعية بمنع إصطياده
و أكد مدير عام الثروة السمكية في وزارة الزراعة “عادل عطا الله”، أن الوزارة منذ أن علمت بأن سمك الوطواط مصنف بالسمكة الحمراء -أي المهددة بالانقراض بسبب الفترة الطويلة التي تحتاجها للتكاثر- تم القيام بعمل بحث علمي بهدف دراسة هذه الأسماك.
و أضاف: “منذ عامين بدأنا بإعداد دراسة حول هذا السمك، رصدنا من خلالها أوزانه وأحجامه ومراحل تكاثره وفترات مروره بساحل قطاع غزة، ومن ثم أخضعنا الصيادين قبل بدء موسم توافده على شواطئ القطاع إلى دورتين لتوعيتهم بمدى أهمية حماية هذا النوع من السمك وتقليل صيده منعاً لحدوث خللٍ بيئي”.
و في نفس الوقت يؤكد عطا الله عدم حدوث تجاوب من قبل الصيادين للدورات التوعوية أو التحذيرات، فالصيد استمر تحت ذريعة الحاجة المادية.
و للحفاظ على هذا النوع من الأسماك يدعو عطا الله إلى ضرورة وضع تشريعات تصنف هذا النوع من الأسماك ضمن القائمة الممنوع اصطيادها، رغم اعترافه بأن تطبيق ذلك صعب، نظراً للظروف التي يعيشها القطاع.
و يأمل مدير عام الثروة السمكية في وزارة الزراعة أن يتحسن وضع الصيادين، و يسمح لهم الإحتلال بدخول عدد إضافي من الأميال، فيتمكنون من اصطياد أنواعٍ أخرى من السمك عدا التركيز على الوطواط.
طبيعة السمك يعرضه للهلاك
و من جانبه يؤكد الدكتور عبد الفتاح عبد ربه أستاذ العلوم البيئية المشارك في قسم الأحياء بالجامعة الإسلامية أنه تواصل مع المسؤولين في الثروة السمكية بوزارة الزراعة لمناقشة مخاطر اصطياد أسماك الوطواط، لكنه لم يلقَ أي متابعة أو اهتمام بهذا الشأن.
و عن أسباب اختفاء هذا النوع من الأسماك قال: “هناك نقص في البيانات لدى “اتحاد المحافظة على ثروات العالم” الخاصة بسمكة وطواط البحر لتقييم تكاثرها بشكل صحيح، حيث يسعى هذا الاتحاد إلى المحافظة على الأنواع الطبيعية للكائنات الحية، ودراسة مدى حساسيتها للتغيرات البيئية المختلفة”.
و أضاف إلى أن تلك السمكة تتميز بحجمها الكبير و محدودية معدل انتشارها عالميا و نضوجها الجنسي المتأخر، وبطء و محدودية معدل تكاثرها، و كثرة هلاكها لتعرضها للصيد العرضي أو الثانوي (Bycatch Mortality) في شباك الصيد السمكي المختلفة، فهي تسبح بشكل بطيء حلزوني رأسي في المناطق الغنية بالأطعمة العالقة”.
و عن طبيعة هذا النوع من الأسماك، بين عبد ربه، أنها تتغذى على القشريات العالقية (Planktonic Crustaceans) و الأسماك الصغيرة والقشريات والرخويات والديدان و غيرها من الحيوانات اللافقارية بتصفية الرمال التي تعبث بها بقرونها فهي من السمكة البيلاجية ( لتواجدها في عمود الماء وبالقرب من السطح) ، كما أنها تساعد على توفير بعض الغذاء للأسماك أثناء عبثها بالرمال”.
و أضاف أيضاً أن لسمك الوطواط ما يشبه الجناحين الصدريين مع بروزين إلى الأمام في مقدمة الرأس، و هما بالواقع امتدادان للزعانف الصدرية المدعّمة بالغضاريف.
و تتمتع السمكة بفم كبير وعريض جدا، مستطيل الشكل أما الأسنان فموجودة على الفك السفلي فقط. وتمتلك السمكة ذيولا قصيرة، كما يكسو اللون الأسود جانبها العلوي و الأبيض جانبها السفلي، و تعتبر هذه الأسماك من الأنواع البيوضة الولودة (Ovoviviparous) أي أن البيضة تفقس داخل الرحم، و من ثم تلد الأسماك أجنتها بعد إكتمال نموها داخليا “.
و عن سبب تسميتها بأسماك “شيطان البحر “Devil Fish” ذكر عبد ربه بأن ذلك يعود إلى الحزام الرأسي على شكل قرنين أسودين يشبهان الصورة الذهنية للشيطان، و من هنا جاءت التسمية، منوها أن طول سمكة الوطواط قد يصل إلى أكثر من خمسة أمتار، لتكون بذلك واحدة من أكبر أسماك الراي الغضروفية المعروفة عالميا و المنتشرة في المحيط الأطلسي.
و يجد عبد ربه أن المشكلة في اصطياد هذه الأسماك تعود إلى عدم وجود قانون فلسطيني يمنع إصطيادها، مع جهل الصيادين بأن هذا النوع من الأسماك معرض للهلاك وللانقراض ما يؤثر سلبا على التوازن البيئي، عدا عن إعتياد صيادي الأسماك في قطاع غزة على صيد هذا النوع من الأسماك لقربه من الشاطئ بكميات و فيرة و خاصةً خلال أشهر شباط، آذار ونيسان من كل عام، و سهوله إصطياده حيث يسبح في مجموعات مفككة و يقضي وقتا كبيرا قرب سطح الماء.
المصدر : وطن للأنباء
ش
Discussion about this post