- طموح في موت سريري
كتبت / فرح محمود
كنت أسير وسط السوق أشاهد آخر ما يتم عرضه من ملابس جميلة، واحتياجات ضرورية، فالتقيت بشابة جميلة داخل محل لبيع الملابس، دار حديث بيني وبينها عما هو معروض من ملابس، فسألتها عن سبب التحاقها للعمل بهذا المحل لتجيب بأنها الظروف … لحظتها شعرت أنها لا تريد أن تسهب كثيرا في شرح تلك الظروف، و أنها ظروف اقتصادية ألمت بها وبعائلتها، جعلتها تقبل بهذا العمل مفضلة إياه عن الجلوس في البيت، او ان تنتظر دورها في كشوفات البطالة التابعه للأونروا التي اصبحت من أسمى الأمنيات في وقتنا الحالي، قائله .. تخرجت من الجامعة بمعدل 94% من قسم اللغة العربية، وأتقاضى من عملي هذا مئة دولار شهريا، ثم ضحكت فجأة وأكملت حديثها بأنها كانت من أوائل دفعتها في الجامعة مستأنفة: كان طموحي أن أصبح معلمة للغة العربية في إحدى مدارس الانروا لأنشيء جيلا عاشقا للغه العربيه…
هنا في غزة تعيش الفتاة في هذا القطاع ذو المساحة الصغيرة، المحاصر برا وبحرا وجوا، بعد أن تنهي حياتها الجامعية، وتتخرج من إحدى التخصصات سواء كان بناء على رغبتها أو بناء على متطلبات سوق العمل، أربع سنين من الجد والاجتهاد والنجاح داخل حرم الجامعة وقاعاتها، وبعد حصولها على تلك الشهادة تبدأ رحلة الانتظار لسفينة الانقاذ من احتياجات الحياة وبناء المستقبل، ليستنزفها التفكير بالغد ويقتلها حساب المستقبل، في كل يوم تري حلمها التي طالما حلمت به يحترق أمام عينيها.
في كل تموز يزداد عدد الخريجين ليرتفع معدل البطالة في القطاع سواء بين الذكور أو الإناث، ولكن ثمة مفارقة بسيطة بينهما أن فئه الذكور تهيء نفسها لفرص عمل من خلال افتتاح مشاريع صغيرة على أرصفة الشوارع والمفترقات ،وهناك من النماذج الكثير، حديثنا هنا عن الفتاة التي تصبح غرفتها هي ملجأها الوحيد لتكتب طموحها على جدران أربعة، وهي تراقب من يصغرها سنا أو من يماثلها في المجتمعات الأخرى أصبحن نموذجا ناجحا أو تمتلكن عملا يناسب طموحاتهن … هنا فقط في قطاعنا الصغير يختصر الطموح ، وتقع الفتاة رهينة الواقع الذي لا يتغير من فقر و إغلاق امتد من المعابر ليصل لكافة منافذ الحياة.
فإلى متى سيبقى الطموح في موت سريري، دون أدنى حق لتلك الفتيات لأن يلتحقن بفرص عمل تحققن بها أحلامهن.
ويبقى السؤال مشرعا، على من يقع اللوم في التسبب بهذا الواقع المأساوي، وما الواجب علينا فعله نحن الخريجات، انتظرنا الكثير من الأيام التي تجاوزت السنة والسنتين والعشر سنين، ننتظر بيأس أي فرصة تلوح بالأفق لعلها تأتي مع بارقة أمل، وليس علينا في النهاية إلا أن نحمي طموحنا من أن يحتضر داخل قوقعة ظروف القطاع، ولابد أن نتمسك بالأمل والتفاؤل.
ولا يحضرني هنا سوى قول درويش أننا سنصبح يوما ما نريد ونحقق طموحنا قبل ان يمكث علي سرير الموت……
Discussion about this post