غزة أونلاي – غزة
“ما بدفعك للمر إلا الأمر منه”، هذا هو الحال لدى الكثير من الفتيات الخريجات و غيرهن في قطاع غزة، ممن طرقن أبواب العمل من أجل حياة كريمة، في ظل تدهور الأوضاع السيئة التي طالت كافة القطاعات المعيشية، فالحصول على فرصة عمل في قطاع غزة بات أمر صعب و يحتاج لجهد، فالظروف الإقتصادية التي تعصف بالقطاع منذ سنوات جعلت من تفاصيل الحياة مأساة إنعكست على شرائح المجتمع.
الخريج الجامعي و خلال سنوات دراسته التي أنهكت أيامه من دراسة متواصلة على مدار سنوات, يحلم بأن ينال حظا في الحصول على عمل و لو بأقل القليل كي تتحرك عجلة حياته و مستقبله، هذا هو واقع لا يخفى على أحد إذا ما سألته عن مسيرة العمل الشاقة و المنهكة لمعلمات رياض الأطفال، و المحرومات من تدنى الحد الأدنى للأجور الذي لا يلبى متطلبات حياتهن و لا حتى المواصلات للذهاب للعمل، فتتقاضى معلمة رياض الأطفال مبالغ ضئيلة كحد أدنى 250 شيكل وحد أقصى 500 شيكل شهرياً وسط غياب الرقابة من الجهات المختصة، في وقت تنتشر فيه مؤسسات رياض الأطفال الربحية بشكل كبير.
واقع مرير
في أحاديث منفصلة عبرت العديد من الفتيات ممن يعملن في مؤسسات رياض الأطفال ، “عن واقع عملهن المرير و المرهق في التعامل و تدريس الأطفال في معاهد و مؤسسات التعليم المختلفة وسط غياب الحقوق من الأجور المالية المتدنية بحقهن.
نهى أبو زعيتر تعمل معلمة لدى إحدى معاهد رياض الأطفال غرب مدينة غزة، تقول ، “تخرجت من الجامعة قبل 4 أعوام تخصص بكالوريوس تعليم أساسي، و بعد انتظاري لفترة طويلة في البحث عن عمل و تقديم العديد من إمتحانات الوظائف التي تعقد كل عام، لم أنل حظا في ذلك”.
و تتابع، “أجبرت على العمل في هذا المجال منذ عامين، وكنت على دراية كاملة عن حجم الإرهاق و المشقة، و لكن الظروف أجبرتني حيث أنني بدأت براتب 250 شيكل، إلا أن وصل المبلغ 350 شيكل و أتمنى مع مرور الوقت أن يتحسن الراتب للأفضل”.
أما عن حال باقي رياض الأطفال، تقول نهى،”خلال تجربتي للبحث عن هذا العمل و طرق العديد من أبواب مؤسسات رياض الأطفال كانت النتيجة واحدة بنفس الراتب الحالي”.
و بينت أن “الموظفة الجديدة في أي مؤسسة تبدأ إجباري بتقاضي راتب قليل، يستمر قرابة العام ومن ثم يبدأ الراتب بالصعود قليلاً”، مطالبة وزارة التربية و التعليم بالوقوف عند مسؤولياتها من هذا الظلم الواضح الذي تتعرض له العاملات في هذا المجال رغم مشقة العمل وطول وقته, من خلال تحديد و سن قانون إيجار محدد تلتزم به كافة المؤسسات المرخصة.
و طالبت أيضا الوزارة بالعمل على تنظيم الإنتشار العشوائي للمؤسسات، حيث تنتشر العديد من المؤسسات و المعاهد بشكل كبير وغير منظم في قطاع غزة, فمنها من هو خاص ومنها من يتبع لجمعيات و مؤسسات خيرية.
تعب مضاعف وأجور زهيدة
المعلمة عبير إنشاصى حالها لم يختلف كثيراً عن سابقتها، تقول , “معلمات رياض الأطفال يقدمن من صحتهن لتعليم الأطفال رغم التعب و الإرهاق الذي لا يغفل على أحد، باعتبار أن الأطفال في مرحلة بداية الدراسة يحتاجون لجهد و أساليب عديدة لتوصيل العلم و المعلومات لهم، دون مراعاة و النظر إلى حقهن في الأجور”.
و تابعت، “أتوجه للعمل في كل صباح من الساعة الثامنة صباحا حتى الواحدة ظهراً، وأتقاضى راتب يقدر 420 شيكلا حيث أنني أعمل في هذا المجال منذ أربعة أعوام متتالية”.
و حول إذا ما كان الراتب يكفى لتلبية احتياجاتها بينت، أن الراتب لا يكفى لنصف شهر لتلبية احتياجاتها الشخصية، فحوالي 130 شيقلا من الراتب تذهب لمصاريف المواصلات، تعلق، “المنطقة التي أسكنها بعيدة عن مكان العمل، فلم توفر المؤسسة وسيلة مواصلات كباقي بعض المعلمات، و أنا مجبرة على العمل بشتى الطرق بدلاً من الجلوس في البيت”.
أما فاتن موسى الحاصلة على بكالوريوس خدمة إجتماعية وتعمل كمعلمة في إحدى رياض الأطفال منذ عام و نصف فتقول، “لم أحصل على أي علاوة على راتبي الشهري الذي لا يتجاوز 300 شيكل رغم العمل طيلة هذه الفترة الزمنية”.
و أضافت “تخرجت من الجامعة وانتظرت فترة طويلة في البحث عن عمل يليق بتخصصي الجامعي، و ذلك بعد التدهور المعيشي في أوساط عائلتي، فلا أحد من أفراد العائلة يعمل و والدي مريض غير قادر على العمل، فتوجهت إلى إحدى رياض الأطفال القريبة من المنزل طالبةً العمل رغم أنني أعلم تماماً غياب الحقوق المالية و غياب الرقابة، و أن الراتب لا يكفى لأدنى متطلبات الحياة و لكنى ملزمة في ذلك”.
و كان وزير العمل في حكومة التوافق مأمون أبو شهلا قد أصدر قراراً يلزم أصحاب العمل ببدء تطبيق الحد الأدنى للأجور في كافة المحافظات، و ذلك بأن يكون الحد الأدنى للأجر الشهري 1450 شيقل، و أن يسري القرار إعتباراً من الأول من آذار 2017، و هو ما لم يحدث حتى اللحظة في ظل غياب الرقابة.
الحد الأدنى
أما مديرة إحدى رياض الأطفال ألفت قويدر تبين أن الظروف الاقتصادية في قطاع غزة هي من تحكم علينا أن تبقى الأجور منخفضة و الميزانية الخاصة بالرياض لا تتحمل نفقات الإيجار و الرواتب.
و قالت ألفت إنها تملك مؤسسة رياض لأطفال مقامة على منزل أرضى تدفع بدل إيجار 6500 دولا سنويا، عدا المستلزمات التي تحتاجها الغرف التعليمية من مقاعد ولوحات تعليم و غيره، كل ذلك يقف عائق أمام تدنى الراتب لدى المعلمات.
و أضافت، أن “أهالي الأطفال يماطلون في دفع المستحقات المالية لأبنائهم وهذا ما يؤثر على المعلمات بشكل سلبي, و يدخلها في أزمة مالية تتوجب دفع الرواتب بما هو موجود”.
و حول اختيار المعلمات، تشترط إدارة المؤسسة قبول المعلمة الحاصلة على درجة علمية تؤهلها للتعامل بشكل صحيح و سليم مع الأطفال، “كي نعطى صورة سليمة عن المؤسسة، و إخراج جيل قادر على مواكبة المسيرة التعليمية فأكثر ما يتم التركيز عليه في إختيار الفتيات المعلمات خريجات تخصص تعليم أساسي، و ذلك لمعرفتهن الكاملة بكافة المواد العلمية من خلال دراستهن الجامعية”، تقول ألفت.
و حول طبيعة الرواتب المقدمة، أضافت، “أراعي كمديرة لمؤسسة رياض الأطفال مدى التعب و لإرهاق للمعلمات في آلية التعامل مع الأطفال، فرغم تدنى سلم الرواتب المقدم إلا أنني بين الفينة و الأخرى أوفر للمعلمات مبالغ مالية إضافية، كتنشيط لهن متمنياً أن تتحسن الظروف الإقتصادية كي يؤثر ذلك ايجابياً على المعلمات.
في السياق ذاته، بين فادي الأشقر رئيس قسم التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم العالي في غزة إن ضعف تحصيل أرباح الرياض الخاصة، وندرة الدعم المالي للعديد منها، إضافة إلى امتناع جزء كبير من أولياء الأمور عن الإيفاء بالأقساط الشهرية والالتزامات المالية الخاصة بأطفالهم بدعوى الأوضاع الاقتصادية والمادية الصعبة التي يعاني منها مختلف سكان قطاع غزة أثر سلباً على تدنى أجور المعلمات.
و أوضح الأشقر ، حول دور الوزارة في المراقبة قائلا أن “الوزارة بإمكانها أن تتدخل في بعض الحالات التي تستوجب الوقوف إلى جانب المعلمات، كمكافئة نهاية الخدمة التي تتخاذل العديد من الرياض الخاصة بتسديدها أو تقوم بدفعها على أقساط، كما تتدخل أيضًا في حالات العلاوات أو الإمتيازات نتيجة لسنوات الخبرة الطويلة من5 سنوات فما فوق، فهناك دور للوزارة للتدخل عند اللجوء إليها”.
Discussion about this post