غزة أونلاين – غزة
بقلم : نور السويركي
كانت الساعة الثانية والنصف ظهراً حين وصلت إلى فندق الزيتونة في عمان، كان التعب قد تملكني وأنا التي خرجت من السابعة صباحاً أسابق الوقت حتى استطيع الوصول إلى الارتباط الفلسطيني قبل العاشرة والنصف صباحاً لأنه يوم الجمعة، وركوب أخر باص يتوجه إلى نقطة العبور الاسرائيلية على الحدود الأردنية الفلسطينية ثم التوجه إلى جسر الملك حسين، لأخرج منه وقدماي تطأ المملكة الأردنية وأكون بذلك قد سجلت حالة خروج أخرى من ذلك الصندوق الأسود “غزة”.
حين علمت بأمر سفري، لم أصدق أن ذلك قد يحدث، أخبرت أضيق دائرة من المقربين، فالحلم معرضٌ للانكسار في أي لحظة، ما زلت بانتظار صدور عدم الممانعة الأردنية، ومن ثم تصريح المرور من نقطة العبور بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة التي تسمى (إيرز)، ولأن جميع من أخبرتهم كانوا ممن خاضوا تجربة السفر سابقاً، انهالت عليّ النصائح والتي كانت أبرزها: “لا تقولي للباعة والسائقين أنك من خارج الأردن”، خاصة وأني امتلك مميزات كالشكل والملبس واللغة، وجميعها تؤهلني لأن اتقمص دور المواطنة بحيث لا يغشني سائقو التاكسي أو الباعة .
لم أكن ممن استمع ونفذ النصيحة جيداً، كانت طبيعة اسئلتي، و طريقة وصفي للعناوين، وانتهاءً بـ : “لو سمحت أوصلني لهناك تحديداً فأنا في زيارة لعمان”, تأتي في نهاية كل حوار مع سائق، وقد كلفني ذلك الكثير من الليرات (الدنانير) كما يصطلح عليها الأردنيون، بحجة عطل في العداد، أما في السوق غُششت في الأسعار من بعض الباعة، أحياناً امتلكت الشجاعة لأعيد بعض القطع، وأحياناً أخرى غضضت الطرف فالفارق ليس كبيراً، واكتفيت بأن اتمتع بكوني خارج غزة، وتبنيت نظريةً مؤقتة مفادها، قد تكلفني المجاهرة بهويتي أو حريتي لا أعلم أيهما التي كلفتني مزيداً من الليرات لكن لابأس، سأستثمر هذه الأحداث لإضفاء المزيد من الحماسة عند رواية مغامرتي المحدودة جداً والساذجة جداً، حين أعود.
تسعة أيام هي مجموع أيام الحرية، خمسة منها كانت في تدريب مكثقفٍ، ورائعٍ، ومجهزٍ له بعناية فائقة، اشرفت عليه ست منظمات اقليمية ودولية، لها تجارب عريقة في برامج التدريب الشبابية وقد كان لي الحظ بالمشاركة في هذا التدريبDebate to action ، كممثلة عن شبكة الشباب المتوسطي في قطاع غزة، المنطوية في إطار منظمة اليونيسكو، وكم آمل أن أكون مثلت نفسي والشبكة بنجاح.
أشارك في أنشطة شبكة الشباب المتوسطي منذ شهور، وتحديداً مجموعة الإعلام، أغطي عدداً من الأنشطة، أحياناً أكتب المقالات أو الأخبار بشكل تطوعي صرف، وأفعل ذلك بكل حب وانتماء، فأنا أؤمن بأن فكرة التطوع ليست بذاك السوء الذي يظنه الكثيرون، فالالتزام والنجاح ينبع دائماً من داخلك حتى وإن كانت فرصة ايجاد وظيفة تحقق الاستقرار المالي والنفسي الذي نسعى إليه جميعاً، صعبة، فالأفضل من أن تنتظر فرصتك، أن تتحرك بكل الاتجاهات محاولاً خلق محاور نجاة جديدة تسعفك من الوقوع في منطق سلبي نحو الفرص المتاحة والمطلوبة، والذي قد يتحول إلى فشل مقبول مع مرور الوقت.
أولئك المشاركين لا زلت اسمع نبرات أصواتهم المختلفة، وتتصارع في رأسي كلماتهم الغريبة و الضحكات التي نتجت عن اختلاف معاني تلك الكلمات، وقد ابتسم دون أي سبب مقنع لمن يراني، في حال تذكرت إحدى تلك الدعابات، ولكن معرفتهم مثلت لي تحدياً آخر فلم يسبق لي أن تعاملت لأيام متتالية مع جنسيات أخرى غير الفلسطينية، أو حتى أن استخدمت لغتي الانجليزية في مكان عام! وربما هذا كان تحدياً شخصياً نجحت فيه هناك بدرجة ما.
أما التحدي الأساسي للبرنامج كان؛ كيف أصنع تغييراً؟، وما أصعب التغيير في غزة، فالشباب في غزة لا يتحكمون في المستوى السياسي بطريقة مباشرة، وهم يحاولون التأثير وإحداث ذاك الاختراق ولكن الجهود متناثرة وربما ضعيفة أيضاً، قد يكون التأثير أكبر على المستوى المجتمعي!، فالمجتمع هنا يُصنف على أنه مجتمع فتيّ، ولكن المؤكد أننا كشباب هُمش دورنا منذ سنين، فأصبحنا عالقين في منتصف كل شيء وحتى في منتصف الحياة هنا، وكلما حاولنا النهوض تساقطت علينا الاتهامات، وحُسم الأمر بأننا لا نشكل فرقاً في أي معادلة، ويجب أن نتقن دورنا كمتضررين فقطّ.
عندما توجهت إلى عمان، كانت تجربة السفر هي شغفي، وعندما بدأنا التدريب أدركت أن الأهم يكمن فيما سيستقبله قلبي وعقلي معاً خلال هذه الدروس واللقاءات المكثفة، أدركت بأن التنظيم وبناء الحجج المنطقية والقدرة على الإقناع، ليس عملاً سهلاً، وأني بحاجة للمزيد من الخوض فيه، أيقنت أنه ليس بإمكانك أن تجبر الجميع على تبني فكرتك عن قناعة كاملة، لكن بإمكانك أن تجعلهم يتبنونها ولو بجزء من القناعة أو من المصلحة المتحققة لهم، لأن الوصول لفكرة واحدة متفق عليها مستحيل فالاختلاف طبيعة كونية، وأدركت تماماً أن النجاح هو حليف الطاقة، والإيمان، وهو الجزاء الأمثل للعمل الجيد، وكما قال لنا أحد الضيوف المميزين: لا تقل إن شاء الله فقط، بل افعل كل ما تستطيع حتى يشاء الله”.
Discussion about this post