غزة اونلاين-الاء النمر
تتكدس الحواجز ويزداد تكثيف الجنود المدججين بالسلاح عليها، إلا أن ذلك لم يمنع المقدسيين من نقل تفاصيل حياتهم بكل ما فيها على الأرصفة وفوق مصاطب البلدة القديمة كما هي، فمنهم من افترش الأرض مرابطاً، ومنهم من تولّى خدمة المرابطين وإطعامهم كي يبقوا أقوياء ثابتين دون انكسار، وآخرين آثروا على نقل تلك المشاعر بأجوائها في بث حي ومباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ثلاث وجبات مقسمة بين فطور وغداء وعشاء، يتخللها مياه باردة للشرب، وأطباق منوعة من الفواكه المثلجة، وأطعمة بيتية صنعت بأيدي مقدسية، تناوب على الرباط أمام أبواب المسجد الأقصى وعلى إطعام المرابطين، مما زاد النسيج المقدسي التحاما.
الحاجة الخمسينية “أم أحمد صب لبن”، أول من بادرت بتقديم وجبة الغداء للمقدسين، فكانت قد طبخت كمية لا بأس بها من أكلة المقلوبة الشهية، كي تكفي لأكبر قدر ممكن من المرابطين، فمع أول سكب بدأت به حتى تعالت أصوات التكبير بين صفوف المرابطين ابتهاجاً بصنيع أمهاتهم ونسائهم، في صورة مبهجة تعبر عن كم البهاء الذي تتجمل به الأمهات المقدسيات.
الأم والحاجة المقدسية أم أحمد آثرت أن تقضي بعض ساعات رباطها في بيتها، الذي لا يبعد عن المسجد الأقصى سوى 300كيلو متر، والقابع بين أزقة البلدة القديمة بالقدس، فهي أول من تسمّعت لأمعاء أبنائها المقدسيين، فآثرت على نفسها قضاء تلك المهمة الرئيسية لإسناد المرابطين.
ولاقت مبادرة أم أحمد ترحيباً واسعا بين الشبان والنساء والفتيات، فضلاً عن الطعم الذي تتركه بأفواه المقدسيين أثناء رباطهم، مما دفع العديد من النساء المقدسيات بالقيام بمبادرات مشابهة بصناعة الأطعمة المختلفة والمنوعة لإنعاش رباط الرجال والنساء على الأبواب، وإبقائهم في حالة ثبات كما ورد “للرأي”.
وفي مشهد صادم للمستوطنين، كما هو صادم للمرابطين، وقف ثلة من الشباب يوزعون الفواكه المثلجة و”قطع البطيخ” على المرابطين وهم يتحلقون في مجموعات ويهتفون بهتافات تشحذ الهمم، وما أن لمحهم المستوطنون حتى اشتاطوا غضبًا، وبكل ما أوتوا من قوة، هجموا على المرابطات والنساء المقدسيات اللاتي يقطن في البلدة القديمة، واللاتي زودوهن بالمياه الباردة والفاكهة، تمامًا بنفس حجم صدمة المرابطين والمرابطات بأن أبسط المشاهد، تثير غضب المستوطنين وتغيظ الاحتلال.
تلك الصور العريقة من مشاهد التكافل المقدسي التي تظهر جلياً دون البحث عنها، زادت من حجم الغضب لدى جنود الاحتلال، وما أغاظ الاحتلال أكثر، أن بيوت البلدة القديمة كانت مأوى لكل المرابطين الذين لا يستطيعون الذهاب لبيوتهم في الليل، والعودة في اليوم التالي فيبيتون فيها، مقدمين لهم كل ما يحتاجونه، من مأكل وملبس.
أطفال رجال
أما عن الطفل يوسف سكافي والذي لم يتجاوز عمره الـتسع سنوات، وقف منتصف الظهيرة مبتهجاً رغم التهاب حرارة الشمس، واعتلى الدرجات المطلة على ساحة باب الأسباط، وبدأ برش المصلين بالمياه الباردة كي تبرّد نيران جباههم الساجدة على الأسفلت الملتهب.
يوسف مجرد أن رش المصلين المقدسين بالمياه شعر بالفرحة التي نزلت على قلبه برداً وسلاماً وحبا وفرحاً، ليكن ضمن الصف المرصوص من أبناء القدس القابضين على جمر شوقهم لعناق المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
ووقف الطفل عمر حلواني وقفة مشابهة لكن دون اعتلاء للدرجات، والذي ترجل أمام المصلين بعد انتهائهم من أداء صلاة العصر من أمام باب الأسباط، وأخذ يتلو عليهم الشعر الممزوج بكلمات الحرقة على المسجد الأقصى المحاصر.
الطفل عمر ناب عن رجال العرب في وقفته وكلماته التي لم يكن ليصدق أحد أنها لطفل لم يتجاوز سن السابعة من عمره، إلا أنه تحدث وأوفى الحديث وأدمع العين وشحن روح الشباب بالفداء وتقديم الغالي والنفيس لأجل المسجد الأقصى.
وعن طفل آخر ظهر في الصور وتداولته مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يظلل على المصلين والمرابطين الكبار سنا، كي لا تصيبهم ضربة شمس حارقة في وقت اشتداد الحر في هذا الصيف المحترق.
لم يقتصر التكافل على ذلك فحسب، فكثير من السيارات التي لا يسمح لها الوصول إلى مكان المرابطين، تمر من بعيد وتعطي الشباب المقدسيين التبرعات من طعام وزجاجات ماء وملابس لتوزيعها على المحتشدين على أبواب الأقصى.
لم يتوقع الاحتلال أن يكون المقدسيون “كالبنيان المرصوص”، حيث لم يكن يعلم أن الضرر حين يمس الأقصى، فإن المقدسيين يصبحون وحوشًا، رغم ما يعانونه وما بذلوه وما زالوا يبذلونه ابتداء من الوقت والمال، وحتى تقديم أرواحهم وأبنائهم رخيصة من أجل الأقصى، وفق الحلواني.
يستمر رباط المقدسيين على أبواب المسجد الأقصى لليوم الرابع عشر على التوالي ، يقيمون الصلاة أمامها وأعدادهم في ازدياد متوحدين على موقف واحد وهو عدم طأطأة رأسهم لجندي صهيوني، فقد أُزيلت البوابات والكاميرات المنصوبة على الأسوار، ولا زال المرابطين يطالبون بإنجاز بقية المطالب.
المصدر:الرأي
Discussion about this post