بقلم/تغريد العمور
اسم على مسمى هي “هبة الله سيف الدين شاهين”، الطفلة التي غيرت مجرى حياة عائلتها لتكن كما اسمها “الهبة” التي أنعم الله بها عليهم، برغم الإعاقة الجسدية التي ولدت بها والتي تركت الأثر بحياتهم وحياتها ما بين تحدي وإصرار لإثبات الذات وتحقيق الطموح.
ولدت هبة بغزة لعائلة مكونة من سبعة افراد، وكانت البكر لوالديها اللذين انتظرا وصولها لهذا العالم بكل شوق ومحبة برغم العلم المسبق لهما بالبتر الخلقي الذي ستولد به، وهو حالة نادرة تصيب الأجنة وتحدث بنسبة حالة ما بين كل 200.0000 حالة حول العالم، وتسمى علميا بـ (Congenital amputation )، ومع ذلك هيئت عائلتها لها عالمها باتخاذ قرار انه “لا إعاقة ستقف أمام الطفلة وان جل الوقت سيخصص لرعايتها وتهيئة كافة الأجواء المناسبة لها لتترعرع في بيئة ملؤها الحب والدعم والتشجيع في كافة مراحلها من طفولتها ومراهقتها “.
الطرف الصناعي رفيق دربها
على الرغم من ارتباط حركتها بإرتداءها الدائم “للطرف الصناعي” الذي أصبح جزء اساسي من جسدها وحياتها إلا أنه لم يكن عائقا البتة بقدر انه المحفز لها ومصدر العزم والقوة، كما أكدت والدتها “السيدة تغريد شاهين”: طفلتي إرتدته بعمر لم يتجاوز العام، برغم كل التأكيدات الطبية حول إمكانية ارتدائه فقط ما بعد إتقانها للقدرة على التوازن، إلا أن إرادتها وإصرارنا دفعنا لتصميم اول جهاز خاص بها بتمويل ذاتي لتنجح بأولى خطواتها معه”.
إلا أن الأمر لم يخلو من صعوبات اخرى، واجهت هبة وعائلتها بغزة تحديدا، كنقص بعض المعدات الخاصة بالطرف الصناعي والحاجة لتغيير ملحقاته من وقت لآخر حسب طولها ونموها من خلال زيارات دائمة لمركز الأطراف الصناعية بالقطاع.
هذه الزيارات التي غيرت عالمها وأضافت له منحى آخر، حيث أصرت على عدم إخفاء الطرف الصناعي تحت طيات ملابسها بل إظهاره والتحرك به بكل ثقة ما بعد ملاحظتها لحالات الانطواء والعزلة وتعمد إخفاء الطرف الصناعي لمعظم المستفيدات والمستفيدين من خدمات المركز، لتبدأ بكسر هذه الحواجز لهم بتقديم تجربتها الذاتية من خلال الدعم النفسي لهم كما قالت :”بدأت افكر بالحديث المباشر معهم سواء بشكل فردي أو جماعي حول ضرورة تقبل حالاتهم والتأقلم معها ومع وجود هذا الطرف الصناعي كجزء من الجسد وقادم العمر، وعكس تجربتي مع الرياضة لهم كمثال لتغيير مسار يومياتهم وصولا للتعايش مع واقعهم كأي فرد من أفراد المجتمع له القدرة على العطاء والعمل و البناء”.
ولأن كل تجربة لها خلاصة، قررت أيضا هبة الله ان تجمع كافة أجزاء الأطراف الصناعية التي سبق واستخدمتها في مراحل عمرية لها مضت، لتقدمها لأطفال المركز بمحاولة منها لمساعدتهم في ظل نقص هذه الأجزاء وندرتها في القطاع.
ستشارك في “تيدكس فلسطين”
بين مدينة غزة والنرويج تدرج العمر “بهبة الله” المحبة للخيل والتي منذ نعومة اظافرها عبرت عن ذلك بخطوط ورسومات دائمة له تارة، او بجمع واقتناء كافة الألعاب والتحف والأشكال التي تلفت انتباهها والتي كانت على شكل او هيئة الخيل تارة اخرى، لتستقر العائلة على قرار بضرورة انضمامها لنادي خاص بعالم الفروسية.
وبالانتقال الى هذا العالم بشكل دائم منذ ستة شهور مؤخرا، واصلت هبة الله تدريباتها المستمرة للتمرس على إتقان هذه الرياضة لتحقق رغبتها بالمشاركة في أول بطولة قفز حواجز محلية لها، من خلال الإنضمام لفريق النادي والانتظام معهم في يومياته التدريبية برغم الضغوطات وضيق الوقت مؤكدة بأن:” امتطاء فرسها هو من اجمل لحظات يومياتها لشعورها بالانطلاق في الهواء دون أي حدود كطير محلق بالفضاء، تحديدا ما بعد نجاحها بالقفز “على الحواجز” مؤخرا، واصفة ذلك: بـ “أكسجين الحياة” وأنها وفرسها كجسدين منسجمين في روح واحدة، مضيفةً و”هذا النجاح في القفز على الحواجز خلق بداخلي الحافز لطرق أبواب العالم بطموح تمثيل وطني بمشاركات خارجية”.
وبالانتقال لزخم آخر في يوميات هبة الله المليئة بالطموحات والتجدد، فقد اعتادت على العزف على الجيتار لاضافة الرونق والنكهة المغايرة ليومياتها ضمن جنبات روحها التي لا تمل ولا تكل من التعلم، الى جانب حرصها أيضا على التوجه بشكل اسبوعي الى “الجيم” لممارسة الرياضة بإشراف مدربة خاصة تعنى بها وبخصوصية تدريباتها، لإعطاء جسدها اللياقة والقوة، وتحديدا التركيز على تقوية عضلات قدمها اليسرى لإستكمال دائرة الرياضة في تفاصيل حياتها المتنوعة والملونة كقوس قزح الذي انعكس على روحها وعلى قراراتها المستقبلية، بأن تكمل كوالدها لتكن صحفية المستقبل وان تصبح أيضا نموذج للإيجابية والهمم العالية، من خلال مشاركتها القادمة بالحدث المحلي “تديكس فلسطين” لتقف أمام الجمهور متحدثة بقوة تغلبها على اعاقتها وإيمان ذويها بها، بعدم الاستهانة بالطموح، لتكن قصتها وتجربتها إلهام لأقرانها وللأسوياء على حد سواء.
المصدر: القدس نت
Discussion about this post